
بعيداً عن الخلاف الفقهي بين علماء الأمة في كل أقطارها حول (الحجاب الشرعي)، من حيث هيئته المتباينة بين كشف الوجه أو تغطيته مع ستر كامل الجسد والالتزام بشروط الحشمة في كلا الحالين، كونه خلافا في الفرع (القابل للاجتهاد) وليس في الأصل (الحكم الديني القطعي)، الذي هو اتفاق العلماء المتقديمن منهم والمتأخرين على امتداد العالم الإسلامي على وجوبه، وأنه فرض رباني بنص الوحي من كتاب وسنة وليس (حرية شخصية)، كما يزعم بهذا من يروج الأباطيل في أوساط الأمة ليسقط عن المرأة المسلمة خط دفاع كيانها الاجتماعي وسمة عفتها ورمز كينونتها بين نساء الأرض.
أقول بعيداً عن ذلك الخلاف انحيازاً لفريق دون آخر أو ترديداً لمبررات كل طرف، فإني أود الاقتراب من ملامسة الواقع الإعلامي الذي عكس على مرآته خلال الأيام القريبة الفائتة حدثاً إيجابياً على ساحتنا الطبية ببعد عالمي له علاقة بالحجاب، تمثل بزيارة لورا بوش سيدة أمريكا الأولى للمملكة وقيامها مع حرم خادم الحرمين الشريفين والأمير فيصل بن عبدالله برعاية توقيع اتفاقية المشاركة بين المملكة والولايات المتحدة الأمريكية في مجال مكافحة سرطان الثدي ونشر الوعي الصحي والبحوث الطبية، حيث التقت مجموعة من السيدات السعوديات خلال الزيارة، اللواتي نجون بحمد الله من هذا المرض أبرزهن الطبيبة سامية العامودي، التي اختيرت ضمن (أشجع 10 سيدات على مستوى العالم) قاومن هذا المرض العضال وتغلبن عليه بأمر الله وفضله، وقد تم تكريمهن في واشنطن.
هذه المناسبة دفعت الطبيبة العامودي وأخواتها السعوديات إلى إهداء العباءة والطرحة السعودية للسيدة لورا بوش، كون العباءة تشير إلى الحجاب معتقداً دينياً ورمزاً أخلاقياً لدى السعوديات والمسلمات بشكل عام، فقبلته حرم الرئيس الأمريكي وأصرت على ارتدائه في مناسبة الإهداء، وهنا مربط فرس المقال، بذلك التعليق الواعي وتلك العبارات الذكية التي أطلقتها سيدة أمريكا الأولى تعبيراً عن (الحجاب), حيث قالت: تحت الحجاب عقول مستنيرة وحاصلة على أعلى درجات التعليم.
وهي بهذا التصريح الواقعي تعطي درساً مجانياً للقائلين بالمنطق المريض: (إن الحجاب حجاب للعقل) ويرد على من يزعم أن الحجاب عائق للمرأة عن ميادين العلم والمعرفة والعمل، كما تنسف الوصف المعتوه الذي يصف نساءنا بأكياس القمامة السوداء، لقد كانت السيدة لورا أمينة في حكمها أكثر من بعض بني جلدتنا ممن يدينون بديننا ويتحدثون بلغتنا، إزاء الحجاب بهذا الرأي الحكيم الذي يؤكد أن الحجاب لا يتعارض مع التعليم لأنه ليس ضد العلم، ولا يمنع مشاركة المرأة في كل مسارات التنمية في بلادها، أو حتى في أعمال الخير وأنشطة السلام والصحة على مستوى العالم، بل إن أداءها الفاعل والفاضل محلياً وعالمياً تحت مظلة حجابها الشرعي أقوى رسالة مشفوعة بشهادة الواقع على عظمة دور المرأة المسلمة وسمو رسالتها الإنسانية.
لاشك أن (حجاب لورا) قد أعطى صورة مغايرة لسيدة البيت الأبيض بقماشها الأسود، فما بالك وهي المرة الأولى التي تظهر بها إلى العالم، مع ذلك تبقى العبرة في تأكيد قيمة الحجاب وزهاء صورته، في حديث الضيفة، خاصة أن بيننا من لا يقنع إلا بحديث الغرب ولا يصدق إلا بشهادتهم، حتى في شؤون دينه وأحوال حياته وخصوصيته الثقافية.
المصدر: محمد بن عيسى الكنعان